الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال ابن عربي: ألطف ما في الحب ما وجدته وهو أن تجد عشقاً مفرطاً وهوى وشوقاً مقلقاً وغراماً ونحولاً وسهر أو منع لذة طعام ولا تدري فيمن ولا بمن ولا يتعين لك محبوبك ثم بعد ذلك يبدو لك تجلي في كشف فيتعلق ذلك الحب به أو ترى شخصاً فيتعلق ذلك الوجد به أو تذكر شخصاً فتجد الميل إليه فتعلم أنه صاحبك وهذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغيب فلا تدري بمن هامت ولا فيمن هامت ولا ما هامها ويجد الناس ذلك في القبض والبسط الذي لا يعرف سببه فبعده يأتيه ما يحزنه أو يسره فيعرف أن ذلك له، وذلك لاستشراف النفس على الأمور قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة وهي مقدمات التكوين (تتمة) قد انطوى تحت هذا الحديث عدة مقامات مقام الحب ومقام التوحيد ومقام الصبر ومقام الشكر ومقام الرضى ومقام التسليم ومقام الأنس ومقام البسط ومقام التمكين وغير ذلك ولم يجتمع مثلها في حديث قصير إلا قليلاً. - (ت) في الدعوات (عن عبد اللّه بن يزيد) بمثناتين تحتيتين من الزيادة (الخطمي) بفتح المعجمة وسكون المهملة نسبة إلى بني خطمة قبيلة معروفة صحابي صغير شهيد الحديبية ابن سبع عشر وولى الكوفة لابن الزبير، قال الترمذي: حسن غريب. قال ابن القطان: ولم يصححه لأن رواته ثقات إلا سفيان بن وكيع فمتهم بالكذب وترك الرازياني حديثه بعد ما كتبناه، وقيل لأبي زرعة أكان يكذب؟ قال نعم. [ص 110] 1470 - (اللّهم اغفر لي ذنبي) أي ما لا يليق أو المراد إن وقع والعبد لا يأتي بما هو اللائق بجلال كبرياء اللّه، ومنه ما عبدناك حق عبادتك، فسمى هذا القصور بالنسبة لكمال القرب ذنباً مجازاً (ووسع لي في داري) محل سكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويشتت الأمتعة ويجلب الهم ويشغل البال أو المراد القبر: إذ هو الدار الحقيقية، وعلى الأول فالمراد التوسعة بما يقتضيه الحال لا الترفه والتبسط في الدنيا بل إنما يسأل حصول قدر الكفاية لا أزيد ولا أنقص. ولهذا قال بعض الحكماء: إما أن تتخذ لك داراً على قدر نجواك وتخبر على قدر دارك وإلا فهو سرف أو تقتير (وبارك لي في رزقي) أي اجعله مباركاً محفوفاً بالنماء والزيادة في الخير ووفقني بالرضى بما قسمته منه وعدم التلفت إلى غيره مع أني لا أنال إلا ما رزقتني وإن جهدت وهذا كان يقوله بعد الوضوء عقب أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. - (ت عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته ورواه أحمد والطبراني عن رجل من الصحابة وزاد فسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عنهن فقال وهل تركن من شيء ورواه النسائي وابن السني عن أبي موسى قال أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول فذكره، وترجم عليه ابن السني بباب ما يقوله بين ظهراني وضوئه والنسائي بباب ما يقول بعد فراغ وضوئه، قال في الأذكار: إسناده صحيح. 1471 - (اللّهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) أي ذهابها مفرد في معنى الجمع يعم النعم الظاهرة والباطنة، والنعمة كل ملائم تحمد عاقبته ومن ثم قالوا لا نعمة للّه على كافر بل ملاذه استدراج. والاستعاذة من زوال النعم تتضمن الحفظ عن الوقوع في المعاصي لأنها تزيلها. ألا ترى إلى قوله: إذا كنت في نعمة فارعها * فإن المعاصي تزيل النعم (وتحول عافيتك) أي تبدلها، ويفارق الزوال التحول كما قاله الطيبي بأن الزوال يقال في كل شيء ثبت لشيء ثم فارقه لفظ رواية أبي داود وتحويل بزيادة مثناة تحتية. والتحويل تغيير الشيء وانفصاله عن غيره فكأنه سأل دوام العافية وهي السلامة من الآلام والأسقام (وفجاءة) بالضم والمد وتفتح وتقصر بغنة (نقمتك) بكسر فسكون: غضبك وعقوبتك (وجميع سخطك) بالتحريك: أي سائر الأسباب الموجبة لذلك وإذا انتفت أسبابها حصلت أضدادها. - (م د ت عن ابن عمر) بن الخطاب ولم يخرجه البخاري. 1472 - (اللّهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) كحقد وبخل وحسد وجبن ونحوها ولا مانع من إرادة السبب والمسبب معاً لأن المسبب قد يحصل فيعفى عنه - (ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة هو قطبة بن مالك. قال الترمذي حسن غريب. 1473 - (اللّهم متعني) انفعني زاد في رواية البيهقي من الدنيا (بسمعي وبصري) الجارحتين المعروفتين وقيل العمرين وانتصر له بخير: هذان السمع والبصر، ويبعده ما في رواية البيهقي عقب وبصري وعقلي (واجعلهما الوارث مني) قال في الكشاف: استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه (وانصرني على من ظلمني) تعدى وبغى عليّ (وخذ منه بثأري) أشار به إلى قوة المخالفين حثاً على تصحيح الالتجاء والصدق في الرغبة. - (ت ك عن أبي هريرة) قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه ذلك. ورواه البيهقي عن ابن جرير. 1474 - (اللّهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك) لأن النفس إذا أحبت الموت آنست بربها ورسخ يقينها في قلبها وإذا نفرت منه نفر اليقين فانحط المرء عن منازل المتقين، ومن أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه وعكسه بعكسه. - (طب عن أبي مالك الأشعري) رمز المصنف لضعفه، وهو كما قال، فقد قال الهيثمي فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف. 1475 - (اللّهم إني أسألك غناي وغنى مولاي) قال الزمخشري: وهو كل ولي كالأب والأخ وابن الأخ والعم وابنه والعصبة كلهم. وعد في القاموس من معانيه التي يمكن إرادتها هنا الصاحب والقريب والجار والحليف والناصر والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر. والمراد بالغنى الذي سأله غنى النفس لا غنى المال وسعة الحال كما قاله بعض أهل الكمال. قال ابن عطاء اللّه: لا يصح الغنى إلا بوجود الفقر، لأن كل من افتقر إلى اللّه استغنى به ومن استغنى باللّه بواسطة فقره إليه فغناه لا يماثله غنى أبداً. - (طب عن أبي صرمة) بكسر المهملة وسكون الراء: الأنصاري المازني بدري شاعر مجيد واسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن صرمة ورواه عنه أيضاً أحمد، قال الهيثمي: أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذا إسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصاري وهي ثقة. 1476 - (اللّهم اجعل فناء أمتي) أمة الإجابة، وقول الزركشي أراد أمة الدعوة تعقبه ابن حجر (قتلاً في سبيلك) أي في قتال أعدائك لإعلاء دينك (بالطعن) بالرمح (والطاعون) وخز أعدائهم من الجن: أي اجعل فناء غالب أمتي بهذين أو بأحدهما. قال بعضهم: دعى لأمته فاستجيب له في البعض أو أراد طائفة مخصوصة أو صفة مخصوصة كالخيار، فلا تعارض بينه وبين الخبر الآتي: إن اللّه أجاركم من ثلاث أن يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً .الحديث. قال القرطبي: [ص 112] جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو، وقال بعض علمائنا الصحيح بأو، والروايتان صحيحتا المعنى، وبيانه أن مراده بأمته صحبه خاصة لأنه دعا لجميع أمته أن لا يهلكهم بسنة عامة، ولا يسلط أعداءهم عليهم، فأجيب فلا تذهب بيضتهم ولا معظمهم بموت عام ولا بعدو على مقتضى دعائه هذا والدعاء المذكور هنا يقتضي أن يفنوا كلهم بالقتل والموت عام فتعين صرفه إلى أصحابه لأن اللّه اختار لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل اللّه بالطاعون الواقع في زمنهم فهلك به بقيتهم، فقد جمع لهم اللّه الأمرين، فالواو على أصلها من الجمع أو تحمل على التقسيمية، قال الراغب: نبه بالطعن على الشهادة الكبرى وهي القتل في سبيل اللّه وبالطاعون على الشهادة الصغرى. وهذا الحديث هو المشار إليه في خبر آخر يقوله: الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم، قال العلماء أراد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن يحصل لأمته أرفع أنواع الشهادة وهو القتل في سبيل اللّه بأيدي أعدائهم إما من الإنس وإما من الجن. وهذا الحديث مكي دعى به المصطفى صلى اللّه عليه وسلم عند خروجه مهاجراً وهو بالغار. - (حم طب عن أبي بردة) بن أبي موسى (الأشعري) اسمه الحارث أو عمارة أو عامر: سمع علياً وعائشة، وولى قضاء الكوفة ورواه عنه أيضاً الحاكم في المستدرك باللفظ المزبور وصححه وأقره عليه الذهبي بل رواه باللفظ المذكور. قال الهيثمي: رجاله ثقات. اهـ. فلو عزاه المصنف له لكان أحسن على عادته في البداءة في العزو إليه، وما أراه إلا ذهل عنه، قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن أبي موسى هذا هو العمدة في هذا الباب فإنه يحكم له بالصحبة لتعدد طرقه إليه. 1477 - (اللّهم إني أسألك) أي أطلب منك (رحمة من عندك) أي ابتداء من غير سبب، وقال القاضي: نكر الرحمة تعظيماً لها دلالة على أن المطلوب رحمة عظيمة لا يكتنه كنهها ووصفها بقوله من عندك مزيداً لذلك التعظيم لأن ما يكون من عنده لا يحيط به وصفه لقوله {وآتيناه من لدنا علماً} (تهدي بها) أي ترشد (قلبي) إليك وتقربه لديك وخصه لأنه محل العقل ومناط التجلي. وأجناس الهداية خمسة مترتبة وهي إضافة قوي يتمكن بها من الاهتداء ونصب الدلائل وإرسال الرسل والكشف والتوفيق، والأخير هو الممنوع عن نحو الظالمين أينما وقع في القرآن (وتجمع بها أمري) أي تضمه بحيث لا أحتاج إلى أحد غيرك (وتلم) أي تجمع وتضم (بها شعثي) ما تفرق من أمري ملتئماً غير متفرق وهو من اللم الجمع يقال لممت الشيء جمعته، ومنه خبر، تأكل لما وتوسع ذماً: أي تأكل كثيراً مجتمعاً (وتصلح بها غائبي) أي ما غاب عن باطني بالإيمان والأخلاق المرضية والملكات الرضية (وترفع بها شاهدي) أي ظاهري بالأعمال الصالحة والهيئات المطبوعة والخلال الجميلة: فالمراد تعميم الباطن وإصلاح الظاهر، أو أراد بها في الأخرى بالرضا والكون مع الملأ الأعلى وفي الدنيا بالفوز والنصر على الأعداء، وفيه حسن مقابلة بين الغائب والشاهد (وتذكي بها عملي) أي تزيده وتنميه وتطهره من أدناس الرياء والسمعة (وتلهمني بها رشدي) أي تهديني بها إلى ما يرضيك وتقربني إليك زلفى، والإلهام أن يلقى اللّه في النفس أمراً يبعثه على فعل أو ترك وهو نوع من الوحي يختص اللّه به من يشاء من عباده، قال الراغب: ورشد اللّه تعالى للعبد تسديده ونصرته يكون بما يخوله من الفهم الثاقب والسمع الواعي والقلب المراعي وتقيض المعلم الناصح والرفيق الموافق وإمداده من المال بما لا يقعد به عن معزاة قلبه ولا يشغل عنه كثرته ومن العشيرة والعز ما يصونه عن سفاهة السفهاء وعن الغض منه من جهة الأغنياء، وأن يخوله من كبر الهمة وقوة العزيمة ما يحفظه عن التسبب بالأسباب الدنيئة والتأخير عن بلوغ كل منزلة سنية (وترد بها ألفتي) بضم الهمزة وكسرها مصدر بمعنى اسم مفعول: أي أليفي أو مألوفي: أي ما كنت آلفه (وتعصمني) أي تمنعني وتحفظني (بها من كل سوء) أي تصرفني عنه وتصرفه عني والعصمة عندنا على ما حكم بها أصلنا من إسناد الحوادث ابتداء إلى اللّه أن لا يخلق في المرء ذنباً وعند الحكماء على ما ذهبوا إليه من قولهم بالإيجاب واعتبار الاستعداد القابل ملكة نفسانية تمنع من الفجور، وعلى الأول. قال الراغب: العصمة فيض إلهي يقوى به الإنسان على تحري الخير ويجنب الشر حتى يصير كمانع له من باطنه وإن [ص 113] لم يكن منعاً محسوساً وليس ذلك بمانع ينافي التكليف كما توهمه بعض من المتكلمين. (اللّهم أعطني إيماناً صادقاً ويقيناً ليس بعده كفر) أي جحد لدينك فإن القلب إذا تمكن منه نور اليقين انزاحت عنه ظلمات الشكوك واضمحلت منه غيوم الريب (ورحمة) أي عظيمة جداً بحيث (أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي علو القدر فيهما ورفع الدرجات إنما هو برحمة المتعال لا بحلائل الأعمال. (اللّهم إني أسألك الفوز في القضاء) أي الفوز باللطف فيه (ونزل) بضم النون والزاي وأصله حصول المطلوب، ومنه (اللّهم إني أنزل بك) أي أسألك قضاء (حاجتي) أي ما أحتاج إليه من أمور الدنيا والآخرة (فإن قصر) بالتشديد (رأيي) أي عجز عن إدراك ما هو الأنجح الأصلح. قال الراغب: والرأي إجالة الخاطر في رؤية ما يريده وقد يقال للقضية التي تثبت عن رأي الرائي (وضعف عملي) عبادتي عن بلوغ مراتب الكمال (افتقرت إلى رحمتك) أي احتجت في بلوغ ذلك إلى شمولي برحمتك التي وسعت كل شيء (فأسألك) أي فبسبب ضعفي وافتقاري أطلب منك (يا قاضي الأمور) أي حاكمها ومحكمها. وفيه جواز إطلاق القاضي على اللّه تعالى (ويا شافي) مداوي (الصدور) يعني القلوب التي في الصدور من أمراضها التي إن توالت عليها أهلكتها هلاك الأبد (كما تجير) أي تفصل وتحجز (بين البحور) وتمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر مع الاتصال وتكفه من البغي عليه مع الالتصاق (أن تجيرني) تمنعني (من عذاب السعير) بأن تحجزه عني وتمنعه مني (ومن دعوة الثبور) النداء بالهلاك (ومن فتنة القبور) فتنة سؤال منكر ونكير بأن ترزقني الثبات عند السؤال قال الزمخشري: فإن قلت كيف يمكن أن يجعل نبيه في السعير حتى يطلب أن يجيره منه (قلت) يجوز أن يسأل العبد ربه ما علم أنه يفعله وأن يستعيذ به مما أنه لا يفعله إظهاراً للعبودية وتواضعاً للرب وإخباتاً له اهـ. وبه يعرف أنه لا دلالة في الخبر على سؤال الأنبياء في القبر. (اللّهم ما قصر عنه رأيي) أي اجتهادي في تدبيري (ولم تبلغه نيتي) أي تصحيحها في ذلك الشيء المطلوب (ولم تبلغه مسألتي) إياك (من) كل (خير وعدته أحداً من خلقك) أن تفعله مع أحد من مخلوقاتك من إنس وجن وملك، ولفظ رواية البيهقي عبادك بدل خلقك والإضافة للتشريف (أو خير أنت معطيه أحداً من عبادك) أي من غير مسابقة وعد له [ص 114] بخصوصه فلا يعد ما قبله تكراراً كما قد يتوهم (فإني راغب) أطلب منك بجد واجتهاد (إليك فيه) أي أجتهد في حصوله منك لي (وأسألك) زيادة على ذلك (من رحمتك) التي لا نهاية لسعتها (يا رب العالمين) الخلق كلهم وذكره تتميماً لكمال الاستعطاف والابتهال وحذف حرف النداء في بعض الروايات. (اللّهم يا ذا الحبل الشديد) قال ابن الأثير: يرويه المحدثون بموحدة، والمراد القرآن أو الدين أو السبب ومنه (اللّهم اجعلنا هادين) أي دالين الخلق على ما يوصلهم إلى الحق (مهتدين) إلى إصابة الصواب غي القول والعمل قال ابن القطان: قوله هادين مهتدين فيه تقديم وتأخير لأن الإنسان لا يكون هادياً لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهدياً انتهى. قال ابن حجر: وليست هنا صيغة ترتيب (غير ضالين) عن الحق (ولا مضلين) لأحد من خلقك (سلماً) بكسر السين المهملة أي صلحاً (لأوليائك) الذين هم حزبك المفلحون (وعدواً) لفظ رواية البيهقي حرباً بدل عدواً (لأعدائك) ممن اتخذ لك شريكاً أو نداً أو فعل معك ما لا يليق بكمالك (نحب بحبك) أي بحسب حبك (من أحبك) حباً خالصاً وفي رواية البيهقي نحب بحبك الناس (ونعادي بعداوتك) أي بسبب عداوتك (من خالفك) أي خالف أمرك وهذا ناظر إلى أن من كمال الإيمان الحب في اللّه والبغض في اللّه. (اللّهم هذا الدعاء) أي هذا ما أمكننا من الدعاء فقد أتينا به ولم نأل جهداً وهو مقدورنا (وعليك) الإجابة فضلاً منك ولا وجوباً (وهذا الجهد) بالضم وتفتح الوسع والطاقة (وعليك التكلان) بضم التاء الاعتماد ومن توكل على اللّه أسكن قلبه الحكمة وكفاه كلامهم وأوصله إلى كل محبوب. [ص 115] (اللّهم اجعل لي نوراً في قلبي) أي نوراً عظيماً فالتنوين للتعظيم وقدم القلب لأنه مقر للتفكر في آلاء اللّه ومصنوعاته والنور ما يتبين به الشيء (ونوراً في قبري) أستضيء به في ظلمة اللحد (ونوراً بين يدي) أي يسعى أمامي (ونوراً من خلفي) أي من ورائي ليتبعني اتباعي ويقتدي في أشياعي. قال الحراني: والخلف ما يخلفه المتوجه في توجهه فينطمس عن حواس إقبال شهوده (ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي) يعني اجعل النور يحفني من الجهات الست (ونوراً في سمعي ونوراً في بصري) لأن السمع محل السماع لآياتك والبصر محل النظر إلى مصنوعاتك فبزيادة ذلك تزداد المعارف (ونوراً في شعري ونوراً في بشري) أي ظاهر جلدي (ونوراً في لحمي) الظاهر والباطن (ونوراً في دمي ونوراً في عظامي) نص على هؤلاء لأن اللعين يأتي الناس في هذه الأعضاء فيوسوسهم وسوسة مشوبة بظلمة. قال القاضي: معنى طلب النور للأعضاء أن تتحلى بأنوار المعرفة والطاعة وتعرى عن ظلم الجهالة والمعاصي، طلب الهداية للنهج القويم والصراط المستقيم وأن يكون جميع ما يتصدى ويعرض له سبباً لمزيد علمه وظهور أمره وأن يحيط به يوم القيامة فيسعى خلال النور كما قال تعالى في حق المؤمنين (اللّهم أعظم لي نوراً وأعطني نوراً واجعل لي نوراً) عطف عام على خاص أي اجعل لي نوراً شاملاً للأنوار السابقة وغيرها وهذا دعاء بدوام ذلك لأنه حاصل له وهو تعليم لأمته وفي رواية بدل اجعل لي نوراً اجعلني نوراً قال ابن عربي: دعا بجعل النور في كل عضو وكل عضو له دعوة بما خلقه اللّه عليه من القوة التي ركبها فيه وفطره عليها، ولما علم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ذلك دعا أن يجعل اللّه فيه علماً وهدى ينفر الظلمة دعوة كل مدع من عالمه هذا ربط هذا الدعاء وآخر ما قال اجعلني نوراً يقول اجعلني نوراً يهتدي بي كل من رآني في ظلمات بر وبحر فأعطاه القرآن وأعطانا الفهم منه وهذا منحة في أعلى المنح في رتبة هي أسنى المراتب قال في الحكم النور جند القلب كما أن الظلمة جند النفس فإذا أراد اللّه أن ينصر عبداً أمدّه بجنود الأنوار وقطع عنه مدد الظلم والأغيار (سبحان الذي تعطف بالعز) أي تردّى به بمعنى أنه اتصف بأنه يغلب كل شيء ولا يغالبه شيء لأن العزة كما قال الحراني: الغلبة على كلية الظاهر والباطن ولفظ رواية السهيلي لبس العز بدل تعطف بالعز قال الزمخشري: العطاف والمعطف كالرداء والمردأ واعتطفه وتعطفه كارتداء وترّداه وعطف الثوب رداؤه وسمي الرداء عطافاً لوقوعه على عطفي الرجل وهما جانبا عنقه وهذا من المجاز المحكي نحو نهاره صائم والمراد وصف الرجل بالصوم ووصف اللّه بالعز ومثله قوله: يجر رباط الحمد في دار قومه أي هو محمود في قومه، (وقال به) أي غلب به على كل عزيز وملك عليه أمره من القبل وهو الملك الذي ينفذ قوله فيما يريد انتهى ذكره الزمخشري وفي الروض الأنف قد صرفوا من القيل فعلاً فقالوا قال علينا فلان أي ملك والقيالة الإمارة، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في تسبيحه الذي رواه عنه الترمذي سبحان الذي لبس العز وقال به أي ملك به وقهر هكذا [ص 116] فسره الهروي في الغريبين انتهى بنصه وبه يعرف أن تفسير صاحب النهاية ومن على قدمه قال به بأحبه واختص به غير جيد (سبحان الذي لبس المجد) أي ارتدى بالعظمة والكبرياء والشرف والكرم. قال الزمخشري: ومن المجاز مجد الرجل عظم كرمه فهو ماجد ومجيد وله شرف ومجد وتمجد اللّه بكرمه وعباده يمجدونه وهو أهل التماجيد وأمجد اللّه فلاناً ومجده كرم فعاله انتهى ولذلك حسن تعقيبه بقوله (وتكرم به) أي تفضل وأنعم على عباده (سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له) أي لا ينبغي التنزيه المطلق إلا لجلاله تقدس (سبحان ذي الفضل) قال الزمخشري: الفضل ما يتفضل به زيادة على الثواب والفضل والفاضلة والإفضال ولفلان فواضل في قومه وفضول (والنعم) جمع نعمة وهي كل ملائم تحمد عاقبته (سبحان ذي المجد والكرم) زاد البيهقي سبحان الذي أحصى كل شيء علمه سبحان ذي المن سبحان ذي الطول (سبحان ذي الجلال والإكرام) قال في الكشاف معناه الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له ما أجلك وما أكرمك أو من عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده وهذه من عظيم صفات اللّه تعالى وقال السيد: المراد بصفات الجلال التنزه عن سمات النقصان وفيه كما قال الغزالي: إن المنهي عنه من السجع ما كان بتكلف فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة بخلاف الكلمات المتوازنة الخالية عن التكلف. - (ت ومحمد ابن نصر في) كتاب (والصلاة طب والبيهقي في) كتاب (الدعوات) كلهم من حديث داود بن علي بن عبد اللّه بن عباس عن أبيه (عن) جده عبد اللّه (بن عباس) لكن بزيادة ونقص قال: بعثني العباس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتيته ممسياً وهو في بيت خالتي ميمونة فقام فصلى من الليل فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال اللّهم إني أسألك إلى آخره وداود هذا عم المنصور ولي المدينة والكوفة للسفاح حدث عنه الكبار كالنوري والأوزاعي ووثقه ابن حبان وغيره وقال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب إنما يجدث بحديث واحد كذا روى عثمان بن سعيد عنه وقد أرده ابن عدي في الكامل وساق له بضعة عشرة حديثاً ثم قال عندي لا بأس بروايته عن أبيه عن جده احتج به مسلم وخرج له الأربعة. 1478 - (اللّهم لا تكلني) أي لا تصرف أمري (إلى نفسي) أي لا تسلمني إليها وتتركني هملاً (طرفة عين) أي تحريك جفن وهو مبالغة في القلة (ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني) قد علم أن ذلك لا يكون ولكنه أراد أن يحرك همم أمته إلى الدعاء بذلك. قال الحليمي: وهذا تعليم منه لأمته أنه ينبغي كونهم مشفقين من أن يسلموا الإيمان أو التوفيق للعمل فإن من سلب التوفيق لم يملك نفسه ولم يأمن أن يضيع الطاعات ويتبع الشهوات فينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا الخوف من همه. - (البزار) في مسنده (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي فيه إبراهيم بن يزيد الحرذي وهو متروك. 1479 - (اللّهم اجعلني شكوراً) أي كثير الشكر لك. قال الغزالي: والشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول بعضهم: الشكر اعتكاف على بساط الشهود بإدامة الحرمة جامع لأكثر معاني الشكر لا يشذ منه إلا عمل اللسان (واجعلني صبوراً) أي لا أعاجل بالانتقام أو المراد الصبر العام (واجعلني في عيني صغيراً وفي أعين الناس كبيراً) استوهب ربه أن يعظمه في عيون الخلق ليسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة اللّه في أرضه وما يصحبها [ص 117] من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب ومعاناة أهوال الحروب. - (البزار) في مسنده (عن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن الخصيب بضم المهملة وفتح المهملة الثانية ثم تحتية ثم موحدة قال الهيثمي فيه عقبة بن عبد اللّه الأصم وهو ضعيف لكن حسن البزار حديثه. 1480 - (اللّهم إنك لست بإله استحدثناه) أي طلبنا حدوثه أي تجدده بعد أن لم يكن (ولا برب ابتدعناه) أي اخترعناه على غير مثال سبق والباء فيه لتأكيد النفي وفي نسخ استحدثناك وابتدعناك بالكاف بدل الهاء (ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه وننذرك) أي نتركك (ولا أعانك على خلقنا) أي إيجادنا من العدم (أحد غيرك فنشركه) فيك أي في عبادتك والالتجاء إليك فإنك المتفرد بالخلق والإيجاد والتقدير (تباركت) تقدست وتنزهت (وتعاليت) تمامه عند مخرجه الطبراني قال كعب وهكذا كان نبي اللّه داود يدعو. - (طب عن صهيب) قال الهيثمي وفيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك. 1481 - (اللّهم إنك تسمع كلامي) أي لا يعزب عنك مسموع وإن خفي بغير جارحة (وترى مكاني) إن كنت في ملاء أو خلاء (وتعلم سري) وفي نسخة سريرتي (وعلانيتي) أي ما أخفي وما أظهر (لا يخفى عليك شيء من أمري) تأكيد لما قبله لدفع توهم المجاز والتخصيص. قال الحراني: الإخفاء تغييب الشيء وأن لا يجعل عليه علم يهتدي إليه من جهته والغرض من ذلك الإجابة والقبول (وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته (الفقير) أي المحتاج إليك في سائر أحواله وجميع أموره (المستغيث) أي المستعين المستنصر باللّه فاكشف كربتي وأزل شدتي يقال أغاثه اللّه إذا أعانه واستغاث به فأغاثه وأغاثهم اللّه كشف شدتهم (المستجير) بالجيم الطالب منك الأمان من عذابك (الوجل) أي الخائف (المشفق) أي الحذر قال في المصباح: أشفقت من كذا بالألف حذرت. وقال الزمخشري: تقول أنا مشفق من هذا أي خائف منه خوفاً يرق القلب ويبلغ منه مبلغاً (المقر المعترف بذنبه) عطف تفسير ففي الصحاح كغيره أقر بالحق اعترف به وقال الزمخشري: أقر على نفسي بالذنب أعترف (أسألك مسألة المسكين) أي الخاضع الضعيف سمي مسكيناً لسكونه إلى الناس وهو بفتح الميم في لغة بني أسد وبكسرها عند غيرهم (وأبتهل إليك ابتهال المذنب) أي أتضرع إليك تضرع من أخجلته مقارفة الذنوب إلى اللّه تضرع. وفي الصحاح كغيره الابتهال التضرع. وقال الزمخشري: ابتهل واجتهد في الدعاء اجتهاد المبتهلين (الذليل) أي الضعيف المستهان به (وأدعوك دعاء الخائف المضطر) وفي نسخ الضرير وهو بمعناه بين بهذا أن العبد وإن علت منزلته فهو دائم الاضطرار لأن الاضطرار تغطية حقيقة العبد إذ هو ممكن وكل ممكن مضطر إلى ممد يمده كما أن الحق هو الغني أيضاً فالعبد مضطر إليه أبداً ولا يزايله هذا الاضطرار في الدنيا ولا في الآخرة حتى لو دخل الجنة فهو محتاج إليه فيها غير أنه غمس اضطراره في المنة التي أفرغت عليه ملابسها وهذا هو حكم الحقائق أن لا يختلف حكمها لا في الغيب ولا في الشهادة ولا في الدنيا ولا في الآخرة ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره وقد عيب اللّه قوماً اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار فلما زالت زال اضطرارهم ولما لم تقبل عقول العامة [ص 118] إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم سلط اللّه عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرفوا قهر ربوبيته وعظمة إلهيته (من خضعت لك رقبته) أي نكس رأسه رضى بالتذلل إليك، وفي الصحاح الخضوع: التطامن والتواضع وقال الزمخشري: خضع للّه خضوعا تطامن وقوم خضع ناكسوا الرؤوس ورجل أخضع راضي بالذل (وفاضت) سالت (لك عبرته) بفتح العين أي سال لك من الفرق دموعه وفي الصحاح فاض الماء كثر حتى سال على ضفة الوادي والعبرة بالفتح تحلب الدمع وبالكسر الاعتبار وفي القاموس العبرة بالفتح الدمعة قبل أن تفيض وتردد البكاء في الصدر (وذل لك جسمه) أي انقاد بجميع أركانه الظاهرة والباطنة (ورغم لك أنفه) أي لصق بالتراب وفي الصحاح الرغام بالفتح التراب وأرغم أنفه ألصقه بالتراب. وقال الزمخشري: من المجاز ألصقه بالرغام إذا أذله وأهانه ومنه رغم أنفه وأرغمه اللّه وفي النهاية أصل رغم أنفه لصق بالتراب ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره. (اللّهم لا تجعلني بدعائك شقياً) أي تبعاً خائباً قال الزمخشري: من المجاز أشقى من رائض مهر أي أتعب منه ولم يزل في شقاء من أمره في تعب (وكن بي رؤوفاً رحيماً) أي عطوفاً شفوقاً (يا خير المسؤولين ويا خير المعطين) أي يا خير من طلب منه ويا خير من أعطى قال في الصحاح: السؤال ما يتساءله الإنسان. وقال الزمخشري: سألته حاجة وأصبت منه سؤلي طلبتي فعل بمعنى مفعول كعرف ونكر وقال: ومن المجاز هو مسألتي من الدنيا واللّهم أعطنا سؤالاتنا وتعلمت مسألة ومسائل أستعير المصدر للمفعول. - (طب عن ابن عباس) قال: كان فيما دعا به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حجة الوداع عشية عرفة اللّهم...إلى آخر ما ذكر. قال ابن الجوزي: حديث لا يصح. وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي فقال فيه يحيى بن صالح الأملي وقال العقيلي له مناكير وبقية رجاله رجال الصحيح. 1482 - (اللّهم أصلح ذات بيننا) أي الحال التي يقع بها الاجتماع (وألف بين قلوبنا) أي اجعل بينها الإيناس والمودة والتراحم لتثبت على الإسلام وتقوى على مقاومة أعدائك ونصر دينك (واهدنا سبل السلام) أي دلنا على طريق السلامة من الآفات أو على طرق دار السلام الجنة (ونجنا من الظلمات إلى النور) أي أنقذنا من ظلمات الدنيا إلى نور الآخرة أو من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة (وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) أي بعدنا عن القبائح الظاهرة والباطنة فإنا عاجزون عن التنقل منها ورفع الهمم عن مواقعها وإن اجتهدنا بما جبلنا عليه من الضعف وتسلط الشيطان علينا فلا قوة لنا إلا بك. (اللّهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا) طلب التوبة أثر الحسنة كما هو مطلب العارفين باللّه ثم علل طمعه في ذلك بأن عادته تعالى التطول والتفضل فقال (إنك أنت التواب) أي الرجاع بعباده إلى مواطن النجاة بعدما سلط عليهم عدوهم بغوايتهم ليعرفوا فضله عليهم وعظيم قدرته ثم اتبعه وصفاً هو كالتعليل له فقال (الرحيم) أي المبالغ في الرحمة لعبادك (واجعلنا شاكرين لنعمتك) أي إنعامك (مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا) [ص 119] سأل التوفيق لدوام الشكر لأن الشكر قيد النعم فيه تدوم وتبقى وبتركه تزول وتحول قال تعالى - (طب) وكذا في الأوسط (ك عن ابن مسعود) قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يعلمنا هذا الدعاء قال الهيثمي وإسناد الكبير جيد انتهى ومن ثم آثره المصنف. 1483 - (اللّهم إليك أشكو ضعف قوتي) قدم إليك ليفيد الاختصاص أي أشكو إليك لا إلى غيرك فإن الشكوى إلى الغير لا تنفع (وقلة حيلتي وهواني على الناس) أي احتقارهم إياي واستهانتهم واستخفافهم بشأني واستهزاؤهم بي (يا أرحم الراحمين) والشكوى إليه سبحانه لا تنافي أمره بالصبر في آي التنزيل فإن إعراضه عن الشكوى لغيره وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر واللّه سبحانه وتعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه ويحب من يشكو ما به إليه (إلى من تكلني) تفوض أمري (إلى عدو يتجهمني) بالتشديد أي يلقاني بغلظة ووجه كريه؟ قال الزمخشري: وجه جهم غليظ وهو البأس الكريه ويوصف به الأسد وتجهمته وجهمته استقبلته بوجه مكفهر وقبل هو أن يلغظ الرجل له في القول ومن المجاز الدهر يتجهم الكرام وتجهمني أملي إذا لم تصبه (أم إلى قريب ملكته أمري) أي جعلته متسلطاً على إيذائي ولا أستطيع دفعه (إن لم تكن ساخطاً علي) في رواية إن لم يكن بك سخط عليّ وفي أخرى بدل سخط غضب (فلا أبالي) بما يصنع بي أعدائي وأقاربي من الإيذاء طلباً لمرضاتك (غير أن عافيتك) التي هي السلامة من البلايا والأسقام وهي مصدر جاء على فاعله (أوسع لي، أعوذ بنور وجهك) أي ذاتك (الكريم) أي الشريف والكريم يطلق على الشريف النافع الذي يدوم نفعه (الذي أضاءت له السماوات والأرض) جمع السماوات وأفرد الأرض لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة (وأشرقت له الظلمات) أشرقت على البناء المفعول من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرفها اللّه كما تقول ملأ الأرض عدلاً وطبقها عدلاً ذكره كله الزمخشري قال في الحكم: الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو قبله أو عنده أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الأثار (وصلح) بفتح اللام وتضم (عليه أمر الدنيا والآخرة) أي استقام وانتظم والصلاح ضد الفساد وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب والصلح اسم منه وهو التوفيق كما في المصباح (أن تحل عليّ غضبك) أي تنزله بي أو توجبه عليّ. قال في المختار كأصله حل العذاب يحل بالكسر حلاً أي وجب ويحل بالضم حلولاً نزل وقرىء بهما قوله تعالى - (طب) عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب. 1484 - (اللّهم واقية كواقية الوليد) أي المولود كما فسره به راوي الخبر ابن عمر فهو فعيل بمعنى مفعول أي كلاءة وحفظاً ككلاءة الطفل المولود وحفظه. قال العسكري: أراد ما يقيه اللّه من الحشرات وما يدب على الأرض من الهوام وما يدفع عنه مع قلة دفعه عن نفسه وجهله بتوقي المتالف والمعاطب وقيل المراد بالوليد موسى - (ع عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات. 1485 - (اللّهم كما حسنت) وفي رواية أحسنت (خلقي) أوله (فحسن خلقي) بضمتين أي لأقوى على أثقال الخلق وأتخلق بتحقيق العبودية والرضا بالقدر ومشاهدة الربوبية. قال الطيبي: ويحتمل أن يراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه. وفيه إشارة إلى قول عائشة كان خلقه القرآن وأن يكون قد طلب المزيد والثبات على ما كان وتمسك به من قال إن حسن الخلق غريزي لا مكتسب والمختار أن أصول الأخلاق غرائز والتفاوت في الثمرات وهو الذي به التكليف. - (حم) وكذا ابن حبان (عن ابن مسعود) قال الزين العراقي ووهم من زعم أنه أبو مسعود قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال اللّهم إلى آخره قال المنذري رواته ثقات. 1486 - (اللّهم احفظني بالإسلام قائماً) أي حالة كوني قائماً وكذا يقال فيما بعده (واحفظني بالإسلام قاعداً واحفظني بالإسلام راقداً) أراد في جميع الحالات. قال الطيبي: يحتمل أن المراد طلب الكمال وإتمام النعمة عليه بإكمال دينه (اللّهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) جمع مخزن كمجلس ما يخزن فيه الشيء قال ابن الكمال كغيره واليد مجاز عن القوة المتصرفة ولا يخفى وجه التجوّز على من له قدم راسخ في علم البيان وتشبيهاً باعتبار تنوع التصرف في العالمين عالم الشهادة المسمى بعالم الملك وعالم الغيب المسمى بعالم الملكوت ومن هنا ظهر وجه قوله سبحانه - (ك عن [ص 121] ابن مسعود) قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو فيقول اللّهم إلخ وزاد البيهقي في الدعوات من طريق هاشم بن عبد اللّه بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشكى إليه وسأله أن يأمر له بوسق تمر، فقال: إن شئت أمرت لك وإن شئت علمتك كلمات خيراً لك منه، فقال: علمنيهن ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه قال: أفعل وقال: قل اللّهم احفظني إلخ. 1487 - (اللّهم إني أسألك موجبات رحمتك) بكسر الجيم جمع موجبة وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الرحمة أي مقتضياتها بوعدك فإنه لا يجوز الخلف فيه وإلا فالحق لا يجب عليه شيء (وعزائم مغفرتك) أي مؤكداتها أو موجباتها جمع عزيمة يعني أسألك أعمالاً بعزم تهب بها مغفرتك، قال الراغب: العزيمة عقد القلب على إمضاء الأمر (والسلامة من كل إثم) يوجب عقاباً أو عتاباً أو نقص درجة أو غير ذلك، قال العراقي: وهذا مصرح بحل سؤال العصمة من كل ذنب ولا اتجاه لاستشكاله بأنها إنما هي لنبي أو ملك لأنها في حقهما واجبة ولغيرهما جائزة وسؤال الجائز جائز لكن الأدب في حقنا سؤال الحفظ لا العصمة (والغنيمة من كل بر) بكسر الباء الطاعة والخير، قال الزمخشري: ومن يبر ربه يطيعه (والفوز بالجنة والنجاة من النار) سبق أنه وإن كان محكوماً له بالفوز والنجاة لكنه قصد التشريع لأمته والتعليم لهم. - (ك عن ابن مسعود) قال كان من دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللّهم إلخ. 1488 - (اللّهم أمتعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني) أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى أو اجعل تمتعي بهما في مرضاتك باقياً فذكره بعد انقضاء أجلنا وانقطاع عملنا (وعافني في ديني وفي جسدي وانصرني ممن ظلمني) من أعداء دينك (حتى تريني فيه ثأري) أي تهلكه، وفي الصحاح الثأر الدخل يقال ثأر القتيل بالقتيل أي قتل قاتله. (اللّهم إني أسلمت نفسي) أي ذاتي (إليك) يعني جعلت ذاتي طائعة لحلمك منقادة لك في كل أمر ونهي (وفوضت) أي رددت (أمري إليك) أي حكمك (وألجأت ظهري إليك) أي أسندته إليك كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم لا سند يتقوى به سواه وخص الظهر لجري العادة بأن المرء يعتمد بظهره إلى ما يسند إليه (وخليت) بخاء معجمة أي فرغت (وجهي) أي قصدي (إليك) يعني براءته من الشرك والنفاق وعقدت قلبي على الإيمان (لا ملجأ) بالهمز ويترك للازدواج مع قوله (ولا منجا) فهذا مقصور لا يجوز مده ولا همزه إلا بقصد المناسبة للأول أي لا مهرب ولا مخلص ولا ملاذ لمن طلبته (منك إلا إليك) فأموري الداخلة والخارجة مفتقرة إليك (آمنت برسولك الذي أرسلت) يعني نفسه أو المراد بكل رسول أرسلته أو وقع منه ذلك تعليماً للغير (وبكتابك الذي أنزلت) أي أنزلته يعني القرآن أو كل كتاب سبق على ما سبق هكذا فسر القاضي الحديث، وقال الطيبي: في هذا النظم عجائب وغرائب [ص 122] لا يعرفها إلا الثقات من أهل البيان فقوله أسلمت نفسي إشارة إلى أن جوارحه منقادة للّه في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إشارة إلى أن ذاته وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق وقوله فوضت إشارة إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره وقوله ألجأت بعد فوضت إشارة إلى أنه بعد تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره من الأسباب الداخلة والخارجة ثم قوله رغبة ورهبة منصوبات على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك وملجأ مهموز ومنجا مقصور همز للازدواج وقوله آمنت بكتابك تخصيص بعد تعميم في قوله أسلمت إلخ ورسولك الذي أرسلت تخصيص من التخصيص فعلى هذا قوله رغبة ورهبة إليك من باب قوله متقلداً سيفاً ورمحاً وفي رواية للبخاري بدل رسولك نبيك قال الخطابي: فيه حجة لمن منع رواية الحديث على المعنى. قال: ويحتمل أن يكون أشار بقوله نبيك إلى أنه كان نبياً قبل أن يكون رسولاً. وقال غيره: لا حجة فيه على منع ذلك لأن لفظ الرسول ليس بمعنى لفظ النبي ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى وكأنه أراد أن يجمع الوصفين صريحاً وإن كان وصف الرسالة يستلزم وصف النبوة أو لأن ألفاظ الأذكار توقيفية في نفس اللفظ وتقدير الثواب فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر ولو كان مرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده وذكر احترازاً ممن أرسل من غير نوبة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول أو لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفاً. قال ابن حجر: فعلى هذا قول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه. - (ك في الدعاء عن علي) أمير المؤمنين قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وظاهر كلام المصنف أنه لا يوجد مخرجاً لأحد من الستة وهو كذلك على الجملة وإلا ففي البخاري ومسلم نحوه مفرقاً بزيادة ونقص.
|